طارق بن زيادودوره في استقرار الإسلام بالجزائر
محاضرة من إعداد
سي حاج محمد محند طيب
عناصر المحاضرة:
·
لمحة تاريخية
·
الفتح الإسلامي , وكيف
استقبله الأهالي
·
ظهور طارق بن زياد
·
تألق طارق بن زياد
·
حالة الجزائر اليوم
·
الخاتمة
طارق بن زياد ودوره في
استقرار الإسلام بالجزائر
لمحة تاريخية :
من المعروف أن الجزائر قد تعاقب عليها الغزاة منذ فجر التاريخ , وهذا كما عزاه بعض المحللين إالى ثروات البلاد , وتربتها الخصبة ,
بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المتميز ؛ برا وبحرا , مما جعل الطامعين يتصارعون
على الاستحواذ على خيراتها ؛ بحيث لا يغادرها المحتل القديم إلا إذا هزمه الجديد وأجلاه .
فهؤلاء الفنيقيون الذين استوطنوا بالجزائر ما يقرب من سبعة قرون حسب بعض
المؤرخين , حتى قضى على دولتهم الرومان الذين احتلوا هم بدورهم البلاد ما يزيد على
خمسة قرون . ولم يجلوا عنها إلا بتغلب الواندال عليهم ,الذين مكثوا بها ما يقرب من
قرن ونصف , بعد أن عاثوا بها فسادا وتدميرا .ثم إن هؤلاء أجلاهم الروم البزنطيون,
الذين تجاوز بقاؤهم بالجزائر ما يزيد على قرن .وأخيرا أشرق نور الفتح
الإسلامي, الذي تغلغلت جذوره في الأعماق ,
واستقر فيها استقرارا أبديا ليس تمحوه الليالي والأجيال !!
ومع ذلك فلم تسلم البلاد بعده من محاولات الاحتلال من جديد ؛ فهذه فرنسا
التي جندت جيشا ضخما لاحتلالها فتم لها ما
أرادت بعد أن هزمت الأتراك الذين حكموا البلاد مدة تزيد على ثلاثة قرون.
الفتح الإسلامي وكيف استقبله الأهالي :
استقبل السكان الفاتحين بمقاومة عنيفة , حيث اعتبروهم كغيرهم من الغزاة
السابقين الذين لم تجن منهم البلاد سوى الاستغلال والاضطهاد والدمار, مما حدا
بالزعيمة الأمازيغية إلى إحراق الأرض , قطعا
لأطماع الوافدين الجدد , حتى أطلق على البلاد اسم"الأرض
المحروقة" . غبر أن الفاتحين أعلنوا أن هدفهم يختلف تمام الاختلاف عن الغزاة؛
فهم لم يأتوا من أجل الاستيلاء على خيرات البلاد , كما فعل السابقون , بل جاءوا من
أجل هدف رفيع شريف؛ إنه إخراج للإنسان من
ظلمات الكفر إلى نور الإيمان . إنه نور الإسلام . ورغم ذلك فإن السكان لم
يصدقوا ما سمعوا , لتجربتهم المريرة مع السابقين طيلة الأحقاب المتلاحقة , عبر
تاريخهم الطويل؛ لأنهم لم يتصوروا غازيا قط لم يأت من أجل الاستئثار بخيرات البلاد
!!
ومع ذلك فقد بدأ الناس ـ ولو مع الحذر الشديد ـ يقتربون من الوافدين الجدد
. وما أن شرعوا يعتنقون الدين الجديد , حتى رأوا رأي العين , وتلمسوا باليد ما
سمعوا ؛ فأخذت عوامل الريب والحذر تزول شيئا فشيئا , حتى أن الكاهنه التي قاومت
الفاتحين مقاومة شرسة , نصحت ولديها بالدخول في الإسلام وآخت بينهما وبين قائد
عربي أسير لديها ؛ حيث تقول بعض الروايات بأنها مزجت عجين خبز بلبنها فأطعمته
ابنيها والقائد العربي؛ وهذا معناه أنهم أصبحوا إخوة رضعوا أمًّا واحدة. ويقال : إن الكاهنة سئلت
لماذا لا تدخل في الإسلام ما دامت تدرك فضله ؟ فأجابت بأن الملكة الأمازيغية تعرف
كيف تموت كما تعرف كيف تعيش !
ظهور طارق بن زياد:
هو طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفحوم بن بزغاسن بن ولهاص بن
يطومت بن نفزاو (شكيب أرسلان ـ تاريخ غزوات العرب ،ص.46).
وقد كان موسى بن نصير الفاتح العظيم قد قرب طارق بن زياد من نفسه , واتخذه
مولى له , لخصاله الممتازة ؛ فاستعمله على طنجة والمغرب الأقصى سنة 85هـ. ومعه
تسعة عشر ألف (19 ألف) فارس بربري , ومعهم بعض الفاتحين يعلمونهم القرآن , ومبادئ
الدين .
تألق طارق بن زياد :
وفي سنة 92هـ/714م.تلقى طارق أمرا من مولاه موسى بن نصير بعبور بوغاز"
جبل طارق" الذي كان يسمى "صخرة الأسد" , ثم أصبح يحمل اسمه منذ ذلك
التاريخ حتى يومنا هذا , ولاشك أنه سيبقى
يحمل اسمه إلى الأبد .
عبر طارق بن زياد البوغاز باثني عشر ألف مجاهد , ولكي يدفع جنوده إلى
الاستبسال فكر في وسيلة تجعلهم لا يفكرون أبدا في التقهقر والانهزام , بل في
القتال دفاعا عن وجودهم؛ فعمد إلى السفن فأحرقها , وخطب في جيشه خطبته المشهورة في
التاريخ , تلك الخطبة التي أصبحت تدرس حتى في الأنظمة الحربية الحديثة . ومن جملة
ما قال :«العدو أمامكم , والبحر وراءكم وليس لكم والله سوى سيوفكم ..فإن لم
تدافعوا عن أنفسكم , فأنتم والله أضيع من
الأيتام , على مأدبة اللئام ...إلخ» .
فانطق طارق شاقا بلاد الأندلس ,
بهذا الجيش الصغير, فتم له النصر المؤزر بسرعة عجيبة , أذهلت المؤرخين والمعاصرين معا , حتى أن مولاه موسى بن نصير
التحق به , ليحد من هذا الاندفاع الفياض, وليشاركه هذا النصر الباهر, الذي ربما أثار
غيرته , مما جعله يؤنبه على هذه المخاطرة بجيش المسلمين . وحسب بعض المؤرخين فإن
موسى بن نصير حذف طارقا بسوطه . ويعلل المؤرخون انتصار طارق بهذه السرعة العجيبة ,
وبهذا الجيش الصغير, بكون البلاد كانت ترزح تحت نير الظلم والاضطهاد , الذي سلطه
الملك وحاشيته على الشعب , خاصة اليهود الذين يذيقونهم ألوانا من الظلم والتعسف ,
يكاد يكون كالذي كان فرعون يسومه بني إسرائيل . وحسب المستشرق
الهلندي"دوزي" فإن رجال اليهود محرم عليهم أن يتزوجوا إلا من الإماء
المسيحيات , وأن نساءهم محرم عليهن أن يتزوجن إلا من العبيد المسيحيين . وهكذا أضحى الأهالي ينتظرون من ينقذهم مما هم
فيه من الظلم والجور.
ثم إن طارقا ذهب إلى دمشق صحبة مولاه موسى بن نصير لتقديم الغنائم الهائلة
التي غنموها من الأندلس إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك . وبينما هما في الطريق
تلقى موسى كتابا من الحليفة نفسه , يستحثه على الإسراع في السير , لأنه مريض ,
وخشي أن يموت قبل وصول الغنائم . غير أن موسى تلقى كتابا آخر من أخي الخليفة
سليمان , يطلب منه أن يتلكأ في السير, طمعا في وقوع الغنائم بيده بعد وفاة أخيه ؛ لأنه ولي العهد . غير أن موسى
وفاء منه وإخلاصا , أغذ السير فالتحق بالخليفة ؛ وبعد ثلاثة أيام توفي الوليد ,
وتولى الخلافة أخوه سليمان , فما كان من هذا الأخير إلا أن نكب موسى بن نصير, الذي
لم يستجب لطلبه بالتلكؤ في مسيره . ويرى بعض المؤرخين أن ذلك انتقام من الله لطارق
الذي جازاه موسى سوء الجزاء على إحسانه . فسبحان الذي لا يظلم مثقال ذرة !!
لكن هل من تأثير لكل ذلك على الأمازبغ ؟... نعم إن له تأثيرا قويا عظيما ؛ فقد اختفى تماما
ذلك التردد وذلك الحذر بين الأمازيغ تجاه الفاتحين والإسلام معا ؛ حيث تروي لنا
كتب التاريخ ؛ أن الأمازيغ ارتدوا عن الإسلام اثنتي عشر مرة في بداية الفتح .
نعم بتألق طارق ابن الأمازيغ الأحرار في ميدان نشر الدعوة الإسلامية ,
اختفت المخاوف , وزال التردد, وحلت محل الشك الثقة والاطمئنان !!
فكيف لا ؟ وقد كان الرومان يسمونهم عبيدا ويسمون أنفسهم أحرارا وأسيادا .
حتى إن بعض روايات التاريخ تروي : أن الأمازيغي لا يسمح له بالمبيت في مدينة
رومانية ..! يا للعجب...!! الأمازيغي في
نظر الرومان أحقر من الحيوان الذي يبيت في
مدن الرومان !!
أما الفاتحون الجدد ؛ فهاهم يعاملونهم بكل عدل وإنصاف , بل يحلون زعماءهم
مكانة مرموقة , ويسندون إليهم مناصب عالية في الدولة, ما توسموا فيهم كفاءة وقدرة
على ذلك . بل إنهم لا يستنكفون أن ينضووا تحت إمرتهم , وهم الفاتحون..! أي عدل أكبر من هذا..؟ وأي نظام أرقى من هذا..؟ وأي دين أعظم من هذا..؟ وأي أخوة أصفى وأسمى من هذه الأخوة..؟ !!!
هذا ما جعل الجزائريين يقبلون على الإسلام بإخلاص عميق , وحماس متدفق
, يفوق في بعض الأحيان حماس الذين جاءوا به !!
أبعد كل هذا بقي لقائل أن يقول : بأن الجزائريين أدخلوا إلى الإسلام كرها
؟... فلو كان الأمر كما زعموا لكان
الرومان أولى بذلك من العرب ؛ ذلك أن قوة العرب المادية لا تكاد تذكر أمام القوة
الرومانية الهائلة ؛ رغم طول مكوثهم بالبلاد ما يزيد على خمسة قرون. ثم إن
الأمازيغ مشهورون في التاريخ أنهم لا ينقادون بالقوة أبدا .
وهكذا فتح الجزائريون صفحة بيضاء في تاريخهم المجيد؛ فاختاروا الإسلام ,
وأحسنوا الاختيار؛ فطوبى ثم طوبى لهم و
لنا جميعا , على هذا الاختيار الغالي الحكيم .
حالة الجزائر اليوم:
ولعله من الأمور الملحة أن نتعرض هنا , ولو باقتضاب , إلى سر تصنيف
الجزائريين إلى عرب وأمازيغ.
تقول كتب التاريخ : إن عدد العرب الفاتحين الذين استقروا بالجزائر بعد
الفتح , يقدر بنحو عشرين ألف . ثم إن الجزائر استقبلت من أمواج بني هلال النازحين ما يقدر بخمسين ألف , ومعنى
ذلك ؛ أن عدد العرب الذين استوطنوا الجزائر يقدر بسبعين ألف نسمة , ولكن ما هي
نسبة العرب إلى الأمازيغ في يومنا هذا..؟
لنحاول استنطاق إحصائيات عام 1977
التي أسفرت عن النتيجة التالية : عدد السكان
ثمانية عشر مليون نسمة ؛ منهم حوالي ثلاثة ملايين أو أكثر قليلا يتحدثون
الأمازيغية.!!
إن هذه النتيجة لتبدو في غاية الغرابة..!
إذ كيف يتصور في العقل أن يتناسل سبعون ألف , فيبلغوا ما يقارب خمسة عشر مليونا , وفي نفس المدة لا ينجب جميع سكان الجزائر سوى ثلاثة ملايين..!! أمر
غريب حقا ..!
لكن الغرابة تزول عندما نسمع تفسير بعض الباحثين لهذه الظاهرة العجيبة ..
!!
يقول هؤلاء الباحثون في تفسيرهم : إن من يحسبون اليوم عربا هم في الأصل
أمازيغ أقحاح ؛ إنما فقط نسوا الأمازيغية فأصبحوا يتحدثون العربية ,
وهذا لتعلقهم الشديد بالإسلام , وبالتالي اللغة التي تقربهم من فهم الإسلام . وقد
يكون العكس , حيث نجد عربا يتحدثون الأمازيغة بحكم استقرارهم بين الأمازيغ .
نعم إنه تفسير منطقي في غاية الوضوح والإقناع . وهذا يؤيده ما هو قائم اليوم في الواقع ؛ وكم من أمازيغ
استقروا في وسط لا يتكلم سوى العربية ,
فنشأ أبناؤهم يجهلون الأمازيغية , والعكس بالعكس .
الخاتمة:
إن الجزائر
ـ كما يجني أحيانا على المرأة الحسناء جمالها ـ قد جنى عليها موقعها
الممتاز, وخيراتها الوافرة , التي أسالت لعاب الطامعين منذ القديم , وما تزال كذلك
إلى اليوم وإلى الغد , مما يفرض على أبنائها الاتصاف بقدر كبير من اليقظة والحيطة
والحذر ؛ فهي تعيش بين إخوة ـ سامحهم الله
ـ لا يترفعون عن مستوى الغيرة والحسد , وبين أعداء ألداء يتحينون بها الفرص
السانحة , لينقضوا عليها انقضاض النسور على الفريسة !.
اللهم كما أنعمت على الجزائر بالخيرات , فأنعم عليها بالسلامة من كل خطر
ومكروه , وبالحماية من كل عدو لئيم بغيض .
المراجع:
1 ـ
تاريخ الجزائر العام ج.1 عبد الرحمن
الجيلالي
2 ـ
الجزائر في مرآة التاريخ محمد
الميلي ـ عبد الله شريط
3 ـ
الحلل السندسية المجلد 1 شكيب
أرسلان
4 ـ تاريخ غزوات العرب " "
إعداد : سي حاج م . م . طيب
0 التعليقات:
إرسال تعليق