نبذة من حياة صاحب ترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية
هو: سي حاج
محند ـ محمد طيب بن علي . ولد بتاريخ 20/06/1934
بقرية إفرحونن بأعالي جرجرة بولاية تيزي وزو. الجزائر. أدخل إلى الكتّاب في سن
مبكرة لمزاولة حفظ القرآن , وكان يجمع بين الرعي وحفظ القرآن بحيث يصطحب اللوح معه
إلى الحقول ليعود في المساء وقد حفظ ما كتب فيه .
ألحق خلال الحرب العالمية بزاوية
سيدي اعمر والحاج بنواحي ـ عژاژڤه؛ ـ تيزي وزوـ لمدة تقارب السنة ليعود إلى مسقط
رأسه ؛ فيجمع بين الرعي والحفظ ؛ حتى ختم القرآن وأعاد منه (18) حزبا ليلتحق من
جديد بزاوية(ثغراسث) بنواحي وادي الصومام , حيث أتقن حفظ القرآن إتقانا جيدا ؛
بختمه للمرة السادسة أو السابعة . ولم يحدث له يوما أن أخطأ في المتشابهات عند
الإملاء على الطلبة , بالرغم من أن عددهم يتراوح بين 30 و40 طالبا ، ولكل منهم
موقع في القرآن بلغه. وهناك تلقى بعض المبادئ
اللغوية والفقهية؛ فدرس الأجرومية (ختمتين) ؛ وقطر الندى, وابن عاشر (ختمتين) ؛ ورسالة ابن أبي زيد
القيرواني , وبعض الأبواب من مختصر خليل , كما درس في التوحيد كتاب:(الجوهرة).
وبعد انقضاء زمن الزاوية المتسم بشظف العيش...والصرامة في المعاملة,
عاد مريضا ليبقى في مسقط رأسه مدة عامين . وبعد أن منّ الله بالشفاء , التحق بمعهد
ابن باديس بقسنطينة , حيث زاول دراسته . ولما أغلق المعهد التحق بالثورة حيث كلف
بمهمة فض النزاعات بين المواطنين وكتابة العقود والتوعية ورفع المعنويات , والتصدي
لحملات الاستعمار التضليلية , بالإضافة إلى تعليم الصغار ودروس الوعظ والإرشاد
للكبار. وهذه المهام تعرف في الثورة بمهمة "الحبوس" التي حلت محل
المحاكم الفرنسية التي وضعت في إجازة إجبارية , بحكم مقاطعتها من قبل الشعب ,
وبأمر من الثورة...ألقي عليه القبض , في ظروف تنكيلية؛ حيث سيق إلى مكان مجهول,
مغطى الرأس وبثوب النوم فقط , والضربات تنهال عليه من كل صوب وبكل سخاء, وبنفس
الطريقة أفرج عنه...! وهو اليوم لا يدري بالضبط
إلى أين ذُهب به...!! وكان يمكن
أن يكون من المفقودين لولا أن أخاه الملقى عليه القبض معه, كان لحسن الحظ يعمل عند
تاجر, أحد زبائنه هو الضابط المسؤول عن العمليات في مدينة الجزائر, حيث شكا إليه
أمر اختفائنا . وحتى هذا الضابط لم يعثر علينا إلا بعد مدة من البحث ...وهكذا
تدخلت العناية الإلهية للإنقاذ في آخر المطاف..!! وليست هذه هي المرة الوحيدة التي
تدخلت فيها العناية خلال الثورة ولله الفضل والمنة؛ فمن ذلك على سبيل المثال أنه
دخل مقصورة المسجد بقرية (إغيل علي) ـ على ضفة وادي الصومام ـ بعد أن أم الناس في
صلاة الجمعة, وأخذ يسأل نفسه بصوت مرتفع وفي تعجب: لم لا يذهب إلى مسكنه بالمدرسة,
لتناول الغداء كعادته ؟!! ولكنه لا يستطيع, وكأن أحدا كبله بالأغلال !! وبعد مدة
ليست بالقصيرة, جاءه أحد تلاميذه ليخبره بأن جنود الاستعمار حطموا باب مسكنه ,
وأخذوا أوراقه وهم يبحثون عنه, وعليه أن يأخذ حذره..!! هذا هو السر إذن؟!
وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان
وبعد الاستقلال عين معلما للغة العربية بعين طاية ـ شرق مدينة
الجزائرـ كما انتسب في نفس الوقت إلى الجامعة ؛ وكان يجمع بين الدراسة والتدريس
لأربعة أقسام ؛ ويقطع مساء كل يوم مسافة 60 كلم أو تزيد . وللحقيقة والتاريخ , فإن
وقته كان مشغولا كله وبالدقائق ؛ حتى أن وقت قضاء حاجة بشرية محدد بفترة الاستراحة
بين ساعات الدراسة, وإلا فلا وقت لقضائها..! وللأمانة لتاريخية فإنه لم يشتغل
بمراجعة دروسه ولو لحظة واحدة أثناء وجوده في القسم مع التلاميذ..!!
وبعد التخرج سنة 1966 عين
كأستاذ للغة العربية بالثانوية الوحيدة بتيزي وزو, وكانت تسمى (ثانوية اعمروش). وهي
الآن تسمى(ثانوية لالا فاظمة انسومر) وصاحب الترجمة هو الذي اقترح هذه التسمية,
فأخِذ بها .
ثم التحق بمركز تكوين المفتشين بالمدرسة العليا للأساتذة
بالقبة؛(الجزائر العاصمة) , حيث عايش انحياز الإدارة السافر في المعاملة نحو
الزملاء المفرنسين ـ ولا داعي هنا للدخول في التفاصيل؛ فكل من عايش الظروف يدرك
معنى هذا الانحيازـ فتخرج بشهادة التفتيش في التعليم الابتدائي والمتوسط وإدارة دور المعلمين.
وفي سنة 1970 عين مفتشا لدائرة(الأخضرية ـ بويره) التي لم تحظ
قبله بمفتش خاص بها, بل كانت تلحق بدائرة أخرى مما جعلها تائهة في غيابات التجاهل
والإهمال...ومع ذلك فقد توصل بها ـ بعد
جهد شاق, وحتى العراقيل ـ أن تصبح هي الأولى في امتحانات الولاية, مما جعل المفتش
العام يقدم للمعني تهنئة بعد زيارة تفتيشية. كما أن مفتش الأكاديمية كان لا يتحرج
أن يعلن مرارا وتكرارا أمام الملأ في الاجتماعات بأنها الدائرة الوحيدة الخالية من
المشاكل. ثم عاد بعد سبع سنوات إلى دائرة تيزي وزو الواسعة , حيث بلغ عدد المعلمين الذين يشرف عليهم 858 معلما.
زيادة على المضايقات والعراقيل.. وحتى المؤامرات ..! لكن الله سلم:«وقالوا حسبنا
الله ونعم الكيل . فانقلبوا بنعمة من الله
وفضل لم يمسسهم سوء» . بالإضافة إلى هذا العدد الضخم من المعلمين كان يقوم بالتدريس بجامعة (تيزي وزو) كأستاذ مساعد
.
وفي نوفمبر1985 انتدب إلى فرنسا كمفتش لتعليم اللغة الوطنية لأبناء
المهاجرين . وكان بفضل الله تعالى يحظى بتقدير كبير سواء من الودادية الجزائرية أو
الجالية أو المعلمين. وحتى من أهالي البلد المضيف . وكثيرا ما قيل له:«لاوجود لأمثالك
, وإن هم وجدوا فقليلون».
وفي جويلية 1988 شد الرحال إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج عن
طريق البر مرورا بإيطاليا واليونان ويوغوسلافيا وتركيا وسوريا والأردن فالسعودية .
وفي أوت 1989 شد الرحال للعودة إلى أرض الوطن ليقوم بمهمة التفتيش في
الطور الثالث من التعليم الأساسي , بدائرتي (عژاژڤه) و(الاربعاء ناثييراثن) حتى سن
التقاعد سنة 1995 بعد قضاء مدة 39 سنة في التعليم بمختلف مراحله وإصلاحاته... وحتى
مشاكله .. منها 25 سنة في التفتيش والمسؤولية. وهذا كله دون أن يتلقى ولو رسالة
واحدة من الأكاديمية تذكره بتقاعسه عن أداء أية مهمة. كما أنه لم ترفع ضده أية
شكوى طوال هذه المدة من طرف أي كان, ولله الحمد والفضل .
وفي سنة 1995 قصد البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج, نيابة عن أمه
المرحومة.
وفي سنة 2002 عاد من جديد إلى البقاع المقدسة ضمن لجنة الفتوى التي
تكلفها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف, لمرافقة الحجاج, قصد إرشادهم ومساعدتهم على أداء مناسك الحج في ظروف
ملائمة .
بعض المهام والنشاطات الإضافية
¨
أمين مجلس «اقرأ» منذ إنشاء
مؤسسة المسجد.
¨
مفتش التعليم المسجدي.
¨
إلقاء المحاضرات في المؤسسات التربوية , و الملتقيات في مختلف
المناسبات .
¨
إلقاء الدروس في المساجد في أيام الجمعة .
¨
خلال شهر رمضان. وتكاد تكون يومية .
¨
تقديم حصص دينية وثقافية
بالتلفزة .
¨
تقديم حصص دينية بالإذاعة الوطنية. القناة 2
¨
المشاركة في لجنة إصلاح ذات البين التابعة لمؤسسة المسجد.
¨ نشر مقالات كثيرة في الصحف قد
تتجاوز المائة , أغلبها نشرت في جريدة(الشعب), وبعضها بأسماء مستعارة, لظروف لا
تسمح بذكر الاسم الحقيقي .
¨
إعداد بحوث ومحاضرات في مختلف المواضيع, خاصة التاريخية والدينية.
¨
يحاول قرض الشعر بالأمازيغية, (انظر النموذج الملحق بعنوان:طوموبيل
المفتش)
إتمام المشروع الهام ألا وهو: ترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية.
وذلك بتاريخ 16 مارس 2005
هذا ومن
غير المؤكد أن القراء الكرام يهمهم أن يعرفوا
شيئا عن الشؤون الخاصة بصاحب الترجمة..؟ ومع ذلك فلا بأس من التجرؤ على ذكر بعض النتف منها طمعا في تسامحهم. ووفقا
لقوله تعالى:«وأما بنعمة ربك فحدث».
إذن لصاحب الترجمة (11) من الأبناء:(4 ذكور,7 إناث) كلهم أنهوا
دراستهم الجامعية ولم يكرر أي منهم السنة قط . وحتى شهادة البكالوريا نالوها
بامتحان واحد , وبعضهم بملاحظات, ما عدا واحدة منهم أعادتها مرة واحدة, لصغر سنها
المفرط عند دخولها إلى المدرسة .
ومن أجل الشكر لله على التوفيق, والنشر لفضائل الاستقامة بين الناس ؛
يعلن صاحب الترجمة بكل تواضع وارتياح أن أبناءه اجتازوا امتحاناتهم تحت إشرافه ؛
فيحلف بالأيمان المغلظة أنه ما زاد ولو ربع نقطة لأحدهم عما حصلوا عليه من
المصححين ؛ كما أنه ترك ابنه البكر بدون دراسة مدة ليست بالقصيرة لأن حظه وضعه في
قسم ليس له معلم مدة من الزمن, حتى أن بعض
الأصدقاء وصفوه بالسذاجة , ونصحوه أن يختار لابنه أبرع المعلمين كما يفعل الآخرون
, وكل الأمور بيده..!!. أما هو فقد أجاب جواب الواثق من صواب رأيه؛ فقال :«لا شفاني الله من هذه السذاجة , فوالله
ليبقين ابني مع زملائه حتى يعين معلم
للجميع ولو دام ذلك طوال السنة»!!!
واليوم, ـ وبعد أن بلغ من الكبر عتيا ـ فإن هذه الذكريات
المريحة لهي عنده أفضل من كل أموال الدنيا...!!
إنها راحة ضمير, وشعور بطمأنينة داخلية, ولذة الاستقامة التي ترضي
الله ؛ فشكرا له على التوفيق , وحمدا له
على هذه النعمة الغامرة.
ولعل من الطرائف المقبول إقحامها هنا أن لصاحب الترجمة أبا عاش (118)
سنة ما زار خلالها طبيبا قط , سوى عملية جراحية على إحدى عينيه. وكان هذا الأب
المعمر ماهرا في جبر العظام, حتى إن مستشفى الناحية كثيرا ما يحول بعض المرضى إليه
؛ لأن عملية الجبر عنده لا تخلف أي تشوه. زيادة على أنه لا يتقاضى أجرا مقابل
خدمته. وعندما سئل عن ذلك أجاب:« لا أريد أن أذوق لذة الانتفاع بمصائب إخواني
المسلمين؛ وإن فعلت ذلك فما ذا ينتظرني
عند الله» عفاف.. وقناعة.. ودرجة عالية من
السمو.. والتقوى..!!
تيزي وزو في26/11/2004
ملاحظة: لقد تمت
الترجمة بعون الله وتوفيقه بتاريخ 16مارس2005 .
0 التعليقات:
إرسال تعليق