تحتل كتلة جبل جرجرة و المناطق المحلية بها
رفقة جغرافية إستراتيجية مهمة واسعة، تمتد من وادي يسر غربا على مشارف متيجة
الشرقية إلى وادي الصومام شرقا على مشارف
جبال البابور، و من البحر شمالا إلى سور الغزلان جنوبا في الهضاب العليا.
و هي جبال شديدة الانحدار، حادة القمم، كثيرة الخوانق ، كثيفة الغطاء
النباتي و الشجري من نوع أشجار البحر المتوسط، متوسطة العلو، غليظة الجذوع دائمة الخضرة و متنوعة
الأصناف و منها الصنوبر و الخروب، و
البلوط و العرعار و الأرز و الزان، و الزيتون ، و التين و الصفصاف، و غيرها تنالها نسبة كبيرة من الرطوبة إشرافها على
البحر المتوسط ، و تغطي الثلوج قممها العالية طوال فصل الشتاء الطويلة و
تكثر بها الينابيع ، و جداول المياه العذبة المتدفقة، و حقول الخضروات في أحواض
الأودية، و تزدهر بها الزياتين، و التين التي بركها الله سبحانه و تعالى و اقسم
بها في كتابه العزيز، كما تزدهر بها كل أواع
الخضر و الفواكه مما جعلها جنة الله على الأرض الطيبة المباركة المجاهدة و المؤمنة و المسلمة و يتكاثف السكان فيها عبر التاريخ
لظروف تاريخية.
و تمثل هذه الكتلة الجبلية
الجرجرية الشماء ، أهمية خاصة في التاريخ الجزائر القديم و الحديث بما أنجبته من
أبطال و عظماء، في ميادين الفكر، و الثقافة و العلوم و السياسة و الإدارة و الحياة
العسكرية، تجاوزت شهرتهم حدود الجزائر و بلدان المغرب الإسلامي إلى الأندلس غربا،
و الشرق العربي الإسلامي شرقا، و تركوا بصماتهم على كل جوانب الفكر و الثقافة، و
الحياة العلمية و الأدبية، و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها ، للحضارة العربية
الإسلامية في عصورها المختلفة حتى اليوم.
فلقد آمن شعب هذا الإقليم
العريق بالدين الإسلامي الحنيف و صدق به و بمثله و مبادئه العليا على اقتناع، و من
أعماق القلب، منذ آن وصل إلى بلدهم عن طريق الفاتحين المسلمين الأوائل ، و تماسك
به غاية التمسك و حارب في سبيله حتى خارج البلاد، و بذل النفس و النفيس، و شارك مع غيره في إرساء
قواعده في كل أصقاع القارة الإفريقية شرقا
و غربا و جنوبا، في أعماق الصحراء الكبرى و بلد الأندلس، و صقيلية خلال عصر
الفتوحات، كما شارك في إثراء الحضرة العربية الإسلامية، مشاركة فعالة، بكثافة في
مختلف جوانبها الفكرية و العلمية على
امتداد التاريخ الإسلامي.
و يتضح ذلك و يتجسم في كثرة المؤسسات العلمية و الدينية التي لا تخلو منها
قرية أو عرش تقريبا، في هذه المنطقة و في كثرة العلماء، و المفكرين و المبدعين ، الذين أنجبهم
شعب هذه المنطقة على مر عصور التاريخ الإسلامي إلى اليوم و الحمد لله، و ذلك من
فضله و لطفه على أية حال ، و منهم الفقهاء ، الأصوليون، و المحدثون و الشعراء و
البلغاء و الكتاب و المؤرخون و الفلاسفة و المشرعون و القضاة و العدول و المفتون
و حفاظ القرآن الكريم و المؤلفون و
الأطباء و الفلكيون و المهندسون الزراعيون
و المعماريون و غيرهم ، و بالتأكيد فإن
لقلعة بني حماد و بجاية دورا هاما في تطوير العلوم و المعارف ازدهار الدراسات الإسلامية ، الدينية، الأدبية و
العلمية في هذه المنطقة الشماء ابتدءا من مطلع القرن الخامس الهجري (11م)
باعتبارهما عاصمتين بصفة متوالية للدولة الحمادية
و لعمال الدول : المحمدية، الزيانية، و
الحفصية فيما بعد ، استقطبتا رجال الفكر و الثقافة و السياسة من الأقاصي البعيدة :
تلمسان، فاس، مراكش، و قرطبة، قسنطينة، بسكرة،القيروان،القاهرة،دمشق و بغداد و مكة
و المدينة و غيرها ، فزاروهما و أقاموا بهما
و اخذوا من علمائهما و مفكريهما و
تزودوا من علومهم و معارفهم و من تجاربهم في الحياة و معظمهم كما سنعرف من جبال
جرجرة و البابور و حوض الصومام إلى جانب المناطق الأخرى .
و لقد خدم علماء هذه المنطقة الفكر و الثقافة العربية الإسلامية، خدمة
جليلة و عظيمة جدا، تفوق حد التصور في مختلف المجالات و المعرفة دراية و حفظا و
استيعابا و تأليفا و منها الفقه و أصول الدين و علم الحديث ، و العلوم العربية:
كالنحو و الصرف و البلاغة و العروض و الرسم و نظم الشعر و فنونه و الأدب و
التوحيد و المنطق و الحساب ، الفلك و علم البيئة و الطب العلاجي و طب الأعشاب أو
الصيدلة و التصوف و علوم السير و
التاريخ و الأنساب و جغرافية الأرض و الفلسفة و علم القراءات .
و لكي تتضح الصورة نستعرض فيما يلي قائمة لعدد من أعلام الفكر و
الثقافة الذين أنجبتهم المنطقة أو جاءوا
إليها ، اثروا الفكر و الحضارات العربية و
الإسلامية بأبحاثهم و دراستهم و مؤلفاتهم
و كونوا أجيالا من العلماء و الفقهاء و البلغاء و الفلاسفة و الشعراء و الكتاب
و المحدثين و غيرهم ، ساروا على دربهم
كذلك ، حملوا الأمانة و كانوا خير خلف لخير سلف
نماذج من رجال الفكر و الثقافة لأبناء المنطقة :
و بما أنه ليس من السهل و قد يكون
من غير الممكن ، حصر رجال الفكر و الثقافة أو الإتيان على سيرهم و تاريخهم
و جهودهم الفكرية و الثقافية،
فسنستعرض فيما يلي عددا محدودا منهم و نركز على الذين تجاوز تأثيرهم رقعة الجزائر
و بلدان المغرب، إلى غيرها من أصقاع
العالم الإسلامي مشرقه و مغربه ، و كان لهم دور
رائد في إثراء الفكر و الثقافة و الحضارة العربية الإسلامية و في تربية الأجيال
و تكوين الإطارات لهذه البلاد الجزائرية
المجاهدة الصبورة و الصمودة و المبدعة و
لنبدأ بالعلامة محمد ابن حماد الصنهاجي الحمزاوي البويري الذي ينعقد هذا الملتقى في مسقط رأسه البـويرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق